الإسلام السياسي والمقاومة الفلسطينية- منظور جديد وتحديات معاصرة

المؤلف: فرانسوا بورغا10.23.2025
الإسلام السياسي والمقاومة الفلسطينية- منظور جديد وتحديات معاصرة

الخوض في أوضاع المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة من خلال منظور "الإسلام السياسي" يمثل مدخلاً تحليلياً بالغ الأهمية، ولكنه يستلزم شرطاً جوهرياً: التعامل مع مفهوم "الإسلام السياسي" - الذي قد يشكل منبعاً لسوء فهم جسيم - بأعلى درجات الحيطة والحذر، سواء في المحافل العربية أو في الأوساط الغربية.

ففي فرنسا، حيث أقيم، وكما هو الحال في وسائل الإعلام الغربية والإسرائيلية المسيطرة (والتي تكاد تكون متطابقة)، لم يعد مصطلح "الإسلام السياسي" صالحاً لتحديد جزء محدد من المشهد السياسي الفلسطيني أو العربي، بل تحول - بصورة قاطعة - إلى تعبير سلبي وتجريمي، لا يسهم إطلاقاً في فهم تنوع أو حتى خصوصية موضوعه.

إنه توصيف يمكن أن يُلصق بأي مواطن مسلم يرفض التنكر لانتمائه الديني، ويتبنى موقفاً يميل إلى المعارضة، وهو اليوم وصم تمييزي يستهدف الأغلبية الساحقة من المسلمين في فرنسا، ويُتهم به بشكل ممنهج مفكرون وناشطو حقوق الإنسان، على غرار المحامي رفيق شكات ومؤسس "التجمع المناهض للإسلاموفوبيا في فرنسا" الذي تم حله، مروان محمد.

أما المواطنون المسلمون الذين تعتبرهم "محاكم الإعلام" موالين للجمهورية، فهم أولئك الذين تخلوا عن معتقداتهم، أو المستعدون لانتقاد أغلبية إخوانهم في الدين.

علاوة على ذلك، فإن أي موقف يناصر الحقوق الفلسطينية يفضي إلى التهمة الشنيعة: "معاداة السامية"، مع أن فرنسا منقسمة منذ عقود بشأن معاداة السامية؛ نظراً لقضية دريفوس الشهيرة (وهو ضابط يهودي اتُهم زوراً بالخيانة في أواخر القرن التاسع عشر)، والمفارقة العجيبة أن هذا اليمين الذي أجج أشرس الاتهامات العنصرية في تلك الحقبة، والذي يزعم اليوم أنه المدافع عن اليهود، بات يتهم اليسار الذي دافع عن دريفوس، بأنه تراجع عن مبادئه.

إن ما كشفته فاجعة غزة من انحراف في الغرب يشبه إلى حد كبير ما أصبح سائداً في إسرائيل منذ صعود حلفاء رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو من المستوطنين إلى السلطة، ويبدو أن الواجهة الصهيونية "المقبولة سياسياً"، والتي طالما أخفت سياسة استعمارية فجة تحت ستار "العلمانية والديمقراطية"، قد أخلت الساحة لمعجم وخطاب الأصولية الدينية "الأكثر تصلباً"، لتفتح بذلك الباب على مصراعيه للمواجهة مع الآخر.

بناءً على ذلك، لا تعترف إسرائيل بوجود نزاع على الأرض مع الفلسطينيين، بل تعتبر نفسها "شعب النور" الذي يحارب "شعب الظلام".

لقد عمدت أوروبا والولايات المتحدة إلى بناء واجهة "مقبولة سياسياً" بدورها في أعقاب الحرب العالمية الثانية والحقبة الاستعمارية، ونجحت لفترة من الزمن في إخفاء خطابها الحربي والاستعماري تحت ستار من النزعة الكونية والإنسانية واحترام القانون الدولي، بيد أن هذه الواجهة بدأت تتهاوى بدورها لتفسح المجال أمام خطاب عنصري وطائفي يتكشف يوماً بعد يوم وبصورة سافرة، مع الدعم المطلق لأفظع ممارسات إسرائيل.

أما فيما يتعلق بالمنابر السياسية العربية والإسلامية في الشرق الأوسط والمغرب العربي، فإن صعوبة التفكير في مسألة الإسلام السياسي على وجه الخصوص تعود إلى ضبابية هذا المفهوم، لأن الإسلام السياسي حاضر اليوم في سياقات متنوعة في كافة الساحات السياسية العربية.

أما إذا كان الأمر مجرد تقييم لتطور موازين القوى بين قوى المعارضة والأنظمة الاستبدادية، فبوسعنا القول إن وضع الأنظمة لم يتحسن بأي حال من الأحوال، وسيكون من العسير تبرير موقف القادة الذين ينخرطون (على غرار الغربيين والإسرائيليين) في "الحرب على الإسلام السياسي" ويقيمون علاقات مع إسرائيل، لأن حالة النفور الشعبي من الموجة الإسرائيلية الجديدة من الجرائم عميقة ومتجذرة للغاية.

وحتى لو أفضت استراتيجية حماس إلى تقويض شعبيتها، وهو أمر لم يتضح حتى الآن، فمن الصعب تصور جيل سياسي يتنكر لما كان يشكل قوته، ولا نقصد هنا انتماء حماس إلى دائرة الإسلام السياسي، بل مرونتها وروحها القتالية في مقاومة الاحتلال، وهي مزايا تتشارك فيها كافة أطياف القوى الفلسطينية، حتى إن وزيراً أردنياً صرح مؤخراً بأن "حماس فكرة، ولا يمكن القضاء على فكرة بالقنابل".

يمكننا، مع أقصى درجات الحذر، وبدون استباق الأحداث الداخلية في كافة تشكيلات المشهد السياسي العربي، أن نستنتج أن القوى التي تحمل اسم "الإسلام السياسي" لم تمت في المشهد الإقليمي والدولي في الشرق الأوسط والمغرب العربي، وهي مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بمقاومة الشعب الفلسطيني وبالعداء المتأصل والانتقادات اللاذعة الموجهة إلى الغرب وحلفائه من العرب.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة